réflexions 415 Posted February 27, 2015 Partager Posted February 27, 2015 لؤلؤة من الأدب العربي الخطاب أوقَفوني .. وأنا أضحكُ كالمجنونِ وحدي من خطابٍ كانَ يلقيهِ أميرُ المؤمنينْ كلّفتني ضحكتي عشرَ سنينْ سألوني ، وأنا في غرفةِ التحقيقْ ، عمّن حرّضوني فضحكتْ .. وعن المالِ ، وعمّن موّلوني .. فضحكتْ .. كتبوا كلَّ إجاباتي .. ولم يستجوبوني . قالَ عنّي المدّعي العام ، وقالَ الجندُ حينَ اعتقلوني : إنني ضدَّ الحكومَهْ لم أكنْ أعرفُ أنَّ الضحكَ يحتاجُ لترخيصِ الحكومَهْ ورسومٍ ، وطوابعْ .. لم أكنْ أعرفُ شيئاً .. عن غسيلِ المخِّ .. أو فرمِ الأصابعْ في بلادي .. ممكنٌ أن يكتبَ الإنسانُ ضدَّ الله .. لا ضدَّ الحكومهْ فاعذروني ، أيّها السّادةُ ، إنْ كنتُ ضحكتْ كانَ في ودّي أن أبكي .. ولكنّي ضحكتْ (2) كُنتُ بعدَ الظهرِ في المقهى .. وكانَ البهلوانْ يلبسُ الطرطورَ بالرأسِ .. ويلقي كلَّ (ما يطلبهُ المستمعونْ) عن حزيرانَ الذي صارَ معَ الأيامِ .. (ما يطلبهُ المستمعونْ) واحتفالاً مثلَ عيدِ الفطرِ والأضحى .. أراجيحَ ، وكعكاً ، وفطائرْ .. وزياراتِ مقابرْ .. كنتُ أسترجعُ أفكاري ، وكانَ المخبرونْ كالجراثيمِ .. على كلِّ الفناجينِ ، وفي كلِّ الصحونْ .. كنتُ أصغي .. كألوفِ البسطاءِ الطيّبينْ لكلامِ البهلوانْ وهوَ يحكي .. ثم يحكي .. ثم يحكي .. مثلَ صندوقِ العجائبْ .. وتذكّرتُ ليالي رمضانْ وأرجوازَ الذي كانَ له ألفُ لسانٍ ولسانْ وتذكّرتُ فلسطينَ التي صارتْ حقيبهْ ما لها في الأرضِ صاحبْ كانَ في حنجرتي ملحٌ ، وحزني كانَ في حجمِ الكواكبْ فاعذروني ، أيّها السّادةُ ، إن حطّمتُ صندوقَ العجائبْ وتقيّأتُ على وجهِ أميرِ المؤمنينْ وكبيرِ الياورانْ واسترحتْ .. كانَ في ودّيَ أن أبكي .. ولكنّي ضحكتْ .. (3) نشروا في صحفِ اليومِ تصاويري .. على أوّلِ صفحهْ .. واعترافاتي على أولِ صفحهْ .. فضحكتْ .. قدّموني للإذاعاتِ طعاماً ، ولأسنانِ الصحافهْ جعلوني - دونَ أن أدري - خُرافهْ ربطوني بالسّفاراتِ .. وأحلافِ الأجانبْ فضحكتْ .. إنني لم أشتغلْ من قبلُ قوّاداً .. ولا كنتُ حصاناً للأجانبْ أنا عبدٌ من عبادِ اللهِ مستورٌ ومغمورٌ ، ومحدودُ المواهبْ أسمعُ الأخبارَ كالناسِ .. وأستقبلُ مأمورَ الضرائبْ زوجتي طيّبةُ القلبِ ، وعندي ولدانْ وأبي حاربَ ضدَّ التُركِ في الشامِ .. وماتْ أنا لا أفهمُ في النحوِ .. وفي الصرفِ .. وفي علمِ الكلامْ غيرَ أني لم أعدْ أفهمُ - من بعدِ حزيرانَ - الكلامْ .. لم أعدْ أهضمُ حرفاً .. من أكاذيبِ أمير المؤمنينْ صارت الألفاظُ مطاطاً .. وصارت لغةُ الحكّامِ صمغاً وعجينْ خدّروني بملايينِ الشعاراتِ .. فنمتْ وأروني القدسَ في الحلمِ .. ولم أجدَ القدسَ ، ولا أحجارَها ، حينَ استفقتْ فاعذروني ، أيّها السّادةُ ، إن كنتُ ضحكتْ كانَ في ودّيَ أن أبكي .. ولكنّي ضحكتْ (4) كنتُ في المخفرِ مكسوراً .. كبللور كنيسهْ نافخاً (سورةَ ياسين) بوجهِ القاتلينْ لم أكنْ أملكُ إلا الصبرَ .. (واللهُ يحبُّ الصابرينْ) وجراحي .. كبساتينِ أريحا .. يمطرُ الياقوتُ منها .. ويضوعُ الياسمينْ وفلسطينُ على الأرضِ .. حمامهْ سقطَتْ تحتَ نعالِ المخبرينْ .. كنتُ وحدي .. لم يزرْني أحدٌ في السجنْ .. إلا جبلُ الكرملِ ، والبحرُ ، وشمسُ الناصرَهْ كنتُ وحدي .. وملوكُ الشرقِ كانوا جُثثاً فوقَ مياهِ الذاكرهْ كنتُ مجروحاً .. ومطروحاً على وجهي ، كأكياسِ الطحينْ أيّها السّادةُ : لا تندهشوا .. كلّنا في نظرِ الحاكمِ .. أكياسُ طحينْ كلّنا - بعد حزيرانَ - خِرافٌ نتسلّى بحشيشِ الصبرِ .. (واللهُ يحبُّ الصابرينْ) فأطالَ اللهُ في عمرِ أميرِ المؤمنينْ نائبِ اللهِ على الأرضِ .. كبيرِ العادلينْ (5) أيّها السّادةُ : إني وارثُ الأرضِ الخرابْ كلّما جئتُ إلى بابِ الخليفهْ سائلاً عن (شرمِ الشيخِ) وعن (حيفا) .. و (رامَ الله) و (الجولانِ) أهداني خطابْ .. كلّما كلّمتُهُ - جلَّ جلالُهْ - عن حزيرانَ الذي صارَ حشيشاً .. نتعاطاهُ صباحاً ومساءْ واحتفالاً مثلَ عيدِ الفطرِ ، والأضحى ، وذكرى كربلاءْ ركبَ السيّارةَ المكشوفةَ السقف .. وغطّى صدرهُ بالأوسمهْ ورشاني بخطابْ .. كلّما ناديتُهُ : يا أميرَ البرّ .. والبحرِ .. ويا عالي الجنابْ سيفُ إسرائيلَ في رقبتِنا .. سيفُ إسرا .. سيفُ إسـ ... ركبِ السيّارةَ المكشوفةَ السقف .. إلى دارِ الإذاعهْ ورشاني بخطابْ .. ورماني بينَ أسنانِ الجواسيسِ ، وأنيابِ الكلابْ فاعذروني ، أيّها السّادةُ ، إن كنتُ كفرتْ وَصَفوا لي صبرَ أيّوبَ دواءً .. فشربتْ أطعموني ورقَ النشّافِ .. ليلاً ونهاراً .. فأكلتْ أدخلوني لفلسطينَ على أنغامِ (ما يطلبهُ المستمعونْ) أدخلوني في دهاليزِ الجنونْ .. فاعذروني - أيّها السّادةُ - إن كنتُ ضحتْ كان في ودّيَ أن أبكي .. ولكنّي ضحكتْ .. نزار قباني Citer Link to post Share on other sites
réflexions 415 Posted February 27, 2015 Author Partager Posted February 27, 2015 هل تسمحون لي هل تسمحون لي ........من روائع نزار قباني في بلاد يُغتال فيها المفكرون، ويُكَفَّر الكاتب، وتُحرَق الكتب، في مجتمعات ترفض الآخر، وتفرض الصمت على الأفواه والحجر على الأفكار، وتكفر أي سؤال، كان لابد أن أستأذنكم أن تسمحوا لي.. فهل تسمحون لي أن أربي أطفالي كما أريد، وألا تملوا عليّ أهواءكم وأوامركم؟ هل تسمحون لي لأن أعلم أطفالي أن الدين لله أولا، وليس للمشايخ والفقهاء والناس؟ هل تسمحون لي أن أعلم صغيرتي أن الدين هو أخلاق وأدب وتهذيب وأمانة وصدق، قبل أن أعلمها بأي قدم تدخل الحمََام وبأي يد تأكل؟ هل تسمحون لي أن أعلم ابنتي أن الله محبة، وأنها تستطيع أن تحاوره وتسأله ما تشاء، بعيدا عن تعاليم أي أحد؟ هل تسمحون لي ألا أذكر عذاب القبر لأولادي، الذين لم يعرفوا ما هو الموت بعد؟ هل تسمحون لي أن أعلم ابنتي أصول الدين وأدبه وأخلاقه، قبل أن أفرض عليها الحجاب؟ هل تسمحون لي أن أقول لابني الشاب أن إيذاء الناس وتحقيرهم لجنسيتهم ولونهم ودينهم، هو ذنب كبير عند الله؟ هل تسمحون لي أن أقول لابنتي أن مراجعة دروسها والاهتمام بتعليمها أنفع وأهم عند الله من حفظ آيات القرآن عن ظهر قلب دون تدبر معانيها؟ هل تسمحون لي أن أعلم ابني أن الاقتداء بالرسول الكريم يبدأ بنزاهته وأمانته وصدقه، قبل لحيته وقصر ثوبه؟ هل تسمحون لي أن أقول لابنتي أن صديقتها المسيحية ليست كافرة، وألا تبكي خوفا عليها من دخول النار؟ هل تسمحون لي أن أقول، أن الله حرم قتل النفس البشرية، وأن من قتل نفسا بغير حق كأنما قتل الناس جميعا، هل تسمحون لي أن أعلم أولادي أن الله اكبر وأعدل وأرحم من كل فقهاء الأرض مجتمعين؟ وأن مقاييسه تختلف عن مقاييس المتاجرين بالدين، وأن حساباته أحن وأرحم؟ هل تسمحون لي؟؟؟؟ إنهم يريدون أن يفتحوا العالم و هم عاجزون عن فتح كتاب نزار قباني Citer Link to post Share on other sites
Recommended Posts
Join the conversation
You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.