Jump to content

حـــوار مع ديـــنار


Recommended Posts

حوار مع دينار

 

رأيت فقيرا مقطع الثياب ، كبير السن ، يبدو عليه آثار الجوع والعطش .

رأيته مستلقيا على عتبة البنك ، وقد استغرق في نوم عميق ، وكانت أشعة الشمس تدنو منه قليلا قليلا حتى وصلت إلى صدره وهو لا يشعر بحرارتها .

وقفت عنده أنظر إليه وأتأمله ، وأقول في نفسي :

" سبحان الله ، إن بين هذا الفقير وخزينة المال بضعة أمتار ، إننا والله نعيش في عالم المتناقضات " .

أدخلت يدي في جيبي ، فأحسست بحركة غريبة ، أمسكت الذي يتحرك في جيبي وأخرجته ، وفوجئت عندما رأيته ، إنه دينار .

فقلت له : لماذا تتحرك في جيبي ؟

الدينار : أنا في جيبك منذ زمن بعيد ، وأنت لم تتعامل معي وفق هدف وجودي .

قلت : وما هدف وجودك يا دينار ؟!

الدينار : هو الإنفاق على أهلك ووالديك ، وقضاء حاجاتك الشخصية وحوائج المسلمين ، من تفريج كربة ، وإعانة مدين ، وتوسعة على يتيم ، وغيرها من وجوه البر والخير .قلت : وكيف جئت إليّ يا دينار ؟!

الدينار : إن لي قصة طويلة ، فقد تنقلت بين أيد كثيرة ، فالأول اشترى بي خمرا ، والثاني اشترى بي فيلما مخلا بالآداب ، والثالث دفعني رشوة لآخر ، والرابع اشترى بي منك بضاعة فوصلت إليك ، وكل هؤلاء كانوا عبّادا للمال ، ولا أعرف عنك أي شيء بعد .

قلت : وكيف علمت أن هؤلاء هم عبّاد المال ؟

الدينار : من طريقة تعاملهم معي ، وكانوا لا ينفقوني في سبيل الله ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله :

" لكل أمة وثن يعبدونه ، ووثن هذه الأمة الدينار والدرهم " .

وأنت يا صاحبي إن لم تصرفني في وجوه الخير فسأحرقك باسمي .

قلت مستغربا : ماذا تقول ؟

ستحرقني باسمك ؟!! وكيف ذلك ؟!!

Link to post
Share on other sites

الدينار : إن أول اسمي " دين " ليذكرك بحقوق دينك عليك وآخر اسمي " نار " ليحرقك إن كنزتني أو أنفقتني في الحرام .

قال تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، يوم يُحمى عليها في نار جهنم فتُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) .

قلت : إن شأنك لخطير يا دينار .

الدينار : نعم إنّ لي شأنا كبيرا ، فأحسن معاملتي ، حتى لا يعذبك الله بسببي ، وانظر إلى الذين كنت عندهم كانوا يزرعون السيئات ويرجون الحسنات ، هل يُجنى من الشوك العنب ؟

فاحذر أن تسير على دربهم ، وهذا فقير أمامك ادفعني إليه وسأكون شاهدا لك يوم القيامة إن شاء الله .

واحرص على أن يكون عندك بعد ذلك شعور " ابن عيينة " ؟

قلت : وما شعور ابن عيينة ؟ ومن هو ابن عيينة ؟

الدينار : إنه أحد التابعين ، وكان اسمه " سفيان بن عيينة " وكان مشهور بالإنفاق وحب الخير حيث يروي لنا أحد أصحابه فيقول :

" كنت أمشي مع سفيان بن عيينة إذ أتاه سائل فلم يكن معه ما يعطيه . فبكى .

فقلت : يا أبا محمد ما الذي أبكاك ؟

قال : أي مصيبة أعظم من أن يؤمّل فيّ رجل خيرا فلا يصيبه "

قلت : سبحان الله ، إنه لشعور رقيق جدا

Link to post
Share on other sites

الدينار : هكذا فكن ، واستغل مواسم عمرك ، ولا تفرط في شبابك حتى يضاعف الله أجرك .

قلت : وهل هناك فرق بين من يتصدق في شبابه أو في هرمه ؟

الدينار : نعم فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أي الصدقة أعظم أجرا ؟قال : " أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر "

ومعنى صحيح شحيح : " أي إنّ من يكون صحيح البدن فإنه غالبا يكون شحيحا أي بخيلا بالمال لأنه يجد للمال وقعا في قلبه لما يأمله من البقاء فيحذر معه الفقر .

وقال ابن بطال ولما كان الشحّ غالبا في الصحة فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر بخلاف من يأس من الحياة ورأى مصدر المال لغيره " .

قلت : والله لقد فتحت عليّ أبوابا كانت مغلقة ، فجزاك الله خيرا .

ثم عدت فقلت : ألا تعتقد أنك فتنة في هذه الحياة الدنيا ؟!

الدينار : بالتأكيد أنا فتنة فكم من عالم قد فتن بي ؟

وكم من زاهد قد فتن بي ؟

وكم ؟ وكم ؟

كلهم كانوا صرعى الدنانير والدراهم ، وإنك لترى أحيانا بعض الدعاة الملتزمين بالسنة في الملبس والمشرب ولكنهم لا يتحملون بريق الدينار ، ولا صوت الدرهم .

قلت : وكيف ذلك ؟! وأنت تقول أنهم ملتزمون .

الدينار : إنها الفتنة يا صاحبي ، فإنك لم تبصرها بعد ، واسمع

إلى قول الشاعر يصف ذلك :

لا يغرنّك من المرء قميص رقعه... أو إزار فوق عظم الساق منه رفعه

أو جـبين لاح فيـه أثر قـد خلعـــه... أَرِه الـــدرهم تعرف حـــبه أو ورعـه

قلت : صدقت يا دينار ، أسأل الله أن يغنيني ولا يفتني .

الدينار : والآن ادفعني إلى هذا الفقير حتى يحبك الله ، وأكون سبب في إطفاء غضب الله عليك ، ويجازيك على ما فعلت .

قلت : حسنا .

ثم جلست بقرب الفقير ، ووضعت يدي على صدره ، وقلت له :

يا هذا .. يا هذا .. فقام فزعا وفتح عينيه فقلت له : لا تخف إني رجل محسن ، وهذا دينار فخذه ليعينك على نوائب الدهر .

فجلس ورفض أن يأخذ الدينار وقال : أنا لست متسولا .

قلت : أعرف ذلك ولكنك بحاجة إلى المال .

فأخذ مني الدينار وقال : جزاك الله خيرا ثم أخذ يردد :

اجعل المال إلى الله زادا ... واجعل الدنيا طريقا وجسرا

إنما التاجـر حقا يقينا ... تاجر يربــح حمدا وأجــرا

منقول

Link to post
Share on other sites
  • 1 month later...

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Répondre

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

×
×
  • Create New...